سورة غافر - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


ثم عاد الكلامُ إلى نصيحة المؤمن لقومه، وهو قوله: {اتَّبِعونِ أهْدِكم سبيل الرَّشادِ} أي: طريق الهدى، {يا قومِ إِنما هذه الحياةُ الدُّنيا متاعٌ} يعني الحياة في هذه الدار متاع يُتمتَّع بها أياماً ثم تنقطع {وإنَّ الآخرة هي دار القرار} التي لازوال لها.
{من عَمِلَ سيِّئةً} فيها قولان..
أحدهما: أنها الشِّرك، ومثلها جهنم، قاله الأكثرون.
والثاني: المعاصي، ومثلُها: العقوبةُ بمقدارها، قاله أبو سليمان الدمشقي. فعلى الأول، العمل الصالح: التوحيد، وعلى الثاني، هو علىٍ الإطلاق.
قوله تعالى: {فأولئك يدخُلون الجنة} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {يُدخَلونَ} بضم الياء. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالفتح، وعن عاصم كالقراءتين.
وفي قوله: {بغير حساب} قولان:
أحدهما: أنهم لا تَبِعَةَ عليهم فيما يُعْطَون في الجنة، قاله مقاتل.
والثاني: أنه يُصَبُّ عليهم الرِّزق صَبّاً بغير تقتير، قاله أبو سليمان الدمشقي.


قوله تعالى: {ويا قومِ مالي أدعُوكم} أي: مالَكم، كما تقول: ما لي أراك حزيناً، معناه: مالَك، ومعنى الآية: أخبِروني كيف هذه الحال، أدعوكم {إلى النجاة} من النار بالإِيمان {وتَدْعونني إلى النّار} أي: إلى الشِّرك الذي يوجب النّار؟! ثم فسَّر الدَّعوتَين بما بعد هذا.
ومعنى {ليس لي به عِلْم} أي: لا أعلم هذا الذي ادَّعَوْه شريكاً له. وقد سبق بيان ما بعد هذا [البقرة: 129] [طه: 82] إلى قوله: {ليس له دعوة} وفيه قولان:
أحدهما: ليس له استجابة دعوة، قاله السدي.
والثاني: ليس له شفاعة، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {وأنَّ مَرَدَّنا إلى الله} أي: مَرْجِعنا؛ والمعنى أنه يجازينا بأعمالنا. وفي المُسْرِفين قولان قد ذكرناهما عند قوله: {مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28].
قوله تعالى: {فستَذْكُرونَ ما أقول لكم} وقرأ ابن مسعود، وأبو العالية، وأبو عمران الجوني، وأبو رجاء: {فستَذَكَّرونَ} بفتح الذال وتخفيفها وتشديد الكاف وفتحها؛ وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأيوب السختياني: بفتح الذال والكاف وتشديدهما جميعاً. أي: إَذا نزل العذاب بكم، ما أقول لكم في الدنيا من النصيحة؟!.
{وأُفَوِّضُ أمري إلى الله} أي: أَرُدُّه، وذلك أنهم تواعدوه لمخالَفَتِهِ دينَهم {إنِّ الله بصير بالعباد} أي: بأوليائه وأعدائه.
ثم خرج المؤمن عنهم، فطلبوه فلم يَقْدِروا عليه، ونجا مع موسى لمَّا عبر البحر، فذلك قوله: {فوقاه اللهُ سيِّئاتِ ما مكَروا} أي: ما أرادوا به من الشَّرِّ {وحاقَ بآل فرعونَ} لما لجوا في البحر {سوءُ العذاب} قال المفسِّرون هو الغرق.
قوله تعالى: {النّارُ يُعْرَضُونَ عليها غُدُوّاً وعَشِيّاً} قال ابن مسعود وابن عباس: إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يُعْرَضُونَ على النار كُلَّ يوم مرَّتين فيقال: يا آل فرعون هذه داركم. ورورى ابن جرير قال حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير، قال: حدثنا حماد بن محمد البلخي قال: سمعت الأوزاعي، وسأله رجل فقال: رأينا طيوراً تخرج من البحر فتأخذ ناحية الغرب بِيْضاً، فَوْجاً فَوْجاً، لا يعلم عددها إلا الله، فإذا كان العشيّ رجع مثلها سُوداً، قال: وفَطَنْتم إلى ذلك؟ قال: نعم، إن تلك الطير في حواصلها أرواح آل فرعون يُعْرَضُونَ على النار غدوّاً وعشيّاً، فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سوداء، فينبُت عليها من الليل رياش بِيض، وتتناثر السود، ثم تغدو ويعرضون على النار غدوّاً أوعشياً، ثم ترجع إلى وكورها، فذلك دأبها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قال الله عزوجل {أدْخِلوا آلَ فرعونَ أشدَّ العذاب}. وقد روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أحدكم إذا مات عُرِضَ عليه مَقْعَدُه بالغَداة والعشيّ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك اللهُ إليه يوم القيامة»
وهذه الآية تدل على عذاب القبر، لأنه بيَّن ما لهم في الآخرة فقال {ويومَ تقومُ الساعةُ ادخِلوا} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وأبو بكر وأبان عن عاصم: {الساعةُ ادْخُلوا} بالضم وضم الخاء على معنى الأمر لهم بالدخول، والابتداءُ على قراءة هؤلاء بضم الألف. وقرأ الباقون: بالقطع مع كسر الخاء على جهة الأمر للملائكة بإدخالهم، وهؤلاء يبتدئون بفتح الألف.


قوله تعالى: {وإذ يتحاجُّون في النار} المعنى: واذكر لقومك يا محمد إذ يختصمون، يعني أهل النار، والآية مفسَّرة في [سورة إبراهيم: 21]، والذين استكبروا هم القادة. ومعنى {إنّا كُلٌّ فيها} أي: نحن وأنتم، {إنّ الله قد حَكَم بين العباد} أي: قضى هذا علينا وعليكم. ومعنى قول الخَزَنة لهم: {فادْعُوا} أي: نحن لا نَدْعو لكم {وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال} أي: إن ذلك يَبْطُل ولا يَنْفَع.
{إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والذين آمَنوا في الحياة الدُّنيا} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أن ذلك بإثبات حُججهم.
والثاني: بإهلاك عدوِّهم.
والثالث: بأن العاقبة تكون لهم. وفصلُ الخطاب: أن نصرهم حاصل لابدَّ منه، فتارة يكون بإعلاءِ أمرهم كما أعطى داود وسليمان من المُلك ما قهرا به كل كافر، وأظهر محمدا صلى الله عليه وسلم على مكذِّبيه، وتارة يكون بالانتقام من مكذِّبيهم بانجاء الرسل وإهلاك أعدائهم كما فعل بنوح وقومه وموسى وقومه، وتارة يكون بالانتقام من مكذِّبيهم بعد وفاة الرُّسل، كتسليطه بختنصر على قَتَلَة يحيى بن زكريا. وأمّا نصرهم يوم يقوم الأشهاد فإن الله منجيهم من العذاب، وواحد الأشهاد شاهد، كما أن واحد الأصحاب صاحب. وفي الأشهاد ثلاثة أقوال:
أحدها: الملائكة شهدوا للأنبياء بالإبلاغ وعلى الأُمم بالتكذيب، قاله مجاهد والسدي. قال مقاتل: وهم الحَفَظة من الملائكة.
والثاني: الملائكة والأنبياء قاله قتادة.
والثالث: أنهم أربعة: الأنبياء والملائكة والمؤمنون والجوارح، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {يومَ لا يَنْفَعُ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {تَنْفَعُ} بالتاء، والباقون بالياء؛ لأن المعذرة والاعتذار بمعنى {الظالمين معذرتُهم} أي: لا يُقْبَلُ منهم إن اعتذروا {ولهم اللعنةُ} أي: البُعد من الرَّحمة. وقد بيَّنّا في [الرعد: 25] أن {لهم} بمعنى عليهم و{وسوءُ الدار}: النار.

1 | 2 | 3 | 4 | 5